موضوع هذا الدرس متعلق بالعقيدة ، متعلق بمفهوم الزمن ، ومتعلق بالموت ، قال تعالى :
( سورة الملك )
آية خطيرة ، فوجودك في الأرض مقرونٌ بالابتلاء ، والامتحان ، فإن الله خلَق الموت ، وخلق الحياة ، الموت مخلوق ، يخلق الموت خلقاً ، هذه الخلايا يأتيها الغذاء فتنمو ، ويأتيها الغذاء فتعيش ، وتستمر ، ولكن هناك عوامل تسبب موت الخلايا ، هذا الموت يتعاظم إلى أن يسبب موت الإنسان .
كما أنك مخلوق لتحيا فمع خلْقِ الحياةِ خلْقُ الموت ، قال تعالى :
( سورة الملك )
أيها الإخوة الكرام : أنا أتصور أن الذي يُدخل مفهوم الموت مِن بابِ التشاؤم مخطِئٌ ، بل الموتُ حقيقةٌ تنقلك إلى جنة الله عز وجل ، تنقلك إلى الأبد ، إلى السعادة العظمى المطلقة ، أن تُدخل مفهوم الموت في حسابك ، أو أن تدخل مفهوم الزمن فهذا صحيح ، والناس الغافلون يعيشون غفلتهم ثم يموتون ، لكن لو عرف كل إنسان أنه يعيش أيام محدودة معدودة تمضي سريعاً ، ثم سيواجه حساباً دقيقاً ، وسيواجه حياةً أبديةً ؛ فإما لجنة يدوم نعيمها ، وإما إلى نار لا ينفذ عذابها ، لاختلفت حالهم اختلافاً كلياً ، المشكلة الغفلة ، الإنسان يعيش مع الناس ، يعيش بحكم حياته المستمرة ، لكن لو وقف ، وقال : مَن أنا ، ما علاقتي بالزمن ؟ أنا بضعة أيام ، لماذا خُلِقْتُ ؟ فعليه حينئذٍ أنْ يعرف لأنّه خُلِق للابتلاء ، وما هو أخطر حدث في حياتي ؟ إنه الموت .
أخطر حدث نهاية الدنيا ، وكل المكتسبات تلغى عندئذٍ في ثانية ، كان رجلاً فصار خبراً على الجدران .
فيا أيها الإخوة : أول نقطة في هذا الدرس أن كل شيء خلقه الله عز وجل له بداية وله نهاية ، قال تعالى :
( سورة يس )
( سورة التكوير )
( سورة الأنبياء )
أول حقيقة أنّك كإنسان ، وكذلك الحيوان ، وكذلك النبات ، كل شيء خلقه الله عز وجل له بداية ، وله نهاية ، لكن الله قديم أزلي ، هو الباقي الحي على الدوام ، ليس له بداية ، وليس له نهاية .
الشيء الثاني أنْ تعلم في هذه الحياة المحدودة ، التي لها بداية ومن نهاية أنّ البداية لها مائة طريق مفتوحةٍ أمامك ، لكن النهاية لا يبقى أمامك إلا طريقان ، طريق الجنة وطريق النار .
والذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار ؛ إما الجنة أو النار ، لذلك قدم الله الموت على الحياة تقديم أهمية ، فالإنسان حينما يولد يكون أمامه مليون خيار ، ينحرف فيتوب ، فهذا خيار التوبة ، ينحرف فيسترجع ، يستغفر ، يستقيم ، فالبدايةً تفتح أمامك ألف طريق ، أما حين يأتيه مَلَك الموت فليس أمامك إلا طريقان ، طريق الجنة أو طريق النار .
والناس في الدنيا يصنفون بمئات الأصناف ، إلا يوم القيامة فإنهم جميعاً إما مؤمن وإما كافر ، قال تعالى :
( سورة آل عمران )
( سورة آل عمران )
( سورة القيامة )
( سورة القيامة )
( سورة عبس )
كلام متعلق بالعقيدة ، هذا الدرس مأخوذ من دروس العقيدة ، أول مفهوم : أنّ كل شيء خلقه الله له نهاية ، والدنيا أمامكم ، والناس أمامكم ، كل واحد من إخواننا الكرام له أقرباء قد ماتوا ؟ كان أحدُهم ملءَ السمع والبصر ، فأصبح خبراً ، ونحن على هذا الطريق ، وسيأتي يوم لا يبقى فبه أحد في هذا المسجد ، بل فوق الأرض ، كلهم تحت الأرض ، وكل إنسان رهين عمله ، قال تعالى :
( سورة المدثر )
وهناك شيء آخر ، أن هذه الحياة الدنيا - دققوا - فيها أشياء تنفعل لك ، لا تحتاج إلى سعي ، ولا إلى بحث ، ولا إلى كسب ، ولا إلى طلب ، فالشمس يستوي الناس جميعاً في عطائها ، والهواء ليس فيه فاتورة ، فقد تُطالَب بفاتورة الهاتف ، وفاتورة الكهرباء ، وفاتورة الماء ، لكنْ والحمد لله فاتورة الهواء لا وجود لها ، فاتورة شمس مشرقة لن تصلك ، ولن تُطالَب بشيء منها.
مرة كنت في مكان جميل مرتفع ، والدنيا حر في الأماكن الأخرى ، لكن حولنا نسمات عليلة ، قلت : واللهِ لو خطر في بالهم لوضعوا على هذه النسمات العليلة ضريبة ، هذه الأشياء تنفعل لك ، لكن هناك في الأرض أشياء لا تأخذها إلا بالأسباب ، فكوننا كونُ الأسباب لن تستطيع أن تستخرج الماء إلا إذا حفرت البئر ، فالماء الذي في باطن الأرض ينفعل بك ، أما الهواء فلَكَ ، الشمس لك ، لكنّ الماء والأرض إن لم تحفر لم تأخذه ، ولن يصل إليك .
النبات مسخر لك لكن بك ، لابد من أن تزرع ، العلم ينفعك إذا طلبته إن لم تطلب العلم لا تنتفع بالعلم ، يمكن أن نسمي هذا الكون كون الأسباب ، قال تعالى :
( سورة الانشقاق )
حتى إنّ الإنسان يملك بيتًا صغيرًا في أطراف المدينة ، ودخله محدود ، يقول لك : متُّ ألف موتة حتى اشترينا بيتًا مِن ستة وخمسين مترًا بتسع مائة ألف ليرة ، ويحتاج إلى مائة ألف أخرى ، فعليك جهد ، وعمل يومي ، ومشقة ، من أجل أن تشتري بيتًا صغيرًا ، فنحن في كون الأسباب ، أما إذا انتقلنا إلى الدار الآخرة فنحن عندئذٍ في كون الإكرام ، قال تعالى :
( سورة الزمر )
الأسباب معروفة ، والثمن ليس له حساب ، الطلب محقَّق ، فأيُّ شيء تطلبه سهلٌ ومتوفّر ، أي شيء يخطر في بالك تجده أمامك ، قال تعالى :
( سورة الحاقة )
الفاكهة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، أكلها دائماً وظلها ، بين كون الأسباب وكون الإكرام مسافة كبيرة جداً ، ففي الدنيا مِن أجل أنْ تضع إلى جانب اسمك دالاً ونقطة تحتاج إلى ثلاث وثلاثين سنة دراسة ، تقوم بهذه الدراسة بالجهد والمشقة ، ثم تحتاج إلى اختصاص لا قيمة لها إلا باختصاص ، عشر سنوات اختصاص بالخامسة والأربعين ماذا بقي ؟ هكذا الحياة ، نحن في كون الأسباب ، نحن في كون الكدح ، في كون الجهد ، والامتحان ، والابتلاء ، قال تعالى :